الرئيسية

في عصر تنهش فيه المادة أبناءه، وتبتلع الشهوات الجنسية أصحابه، وفي زمن تفسّخت فيه الأخلاق والآداب، وانزلقت أقدام الشيوخ والشباب! وفي جيل التمرد واللامبالاة بالأمور السماوية والانغماس بالملاهي والملذات الدنيوية! في هذا الوقت بالذات، تدوي رسالة السماء بصوتها قائلة للجميع: "توبوا."

رسالة الله الأولى

إن التوبة هي رسالة الله الأولى، كما هي الرسالة المفقودة اليوم. فقلّ ما نسمع عنها في هذا الجيل الملتوي. وفيما أنت تعيرها أدنى اهتمامك، فهي تحتل المكان الأول في صدر الله بالنسبة إلى خلاص نفسك. فهي رسالة الله الأولى لكل إنسان في كل زمان ومكان!

 

مطلب الله الأول

 

يشدد رجل اليوم على حفظ وصايا دينه وأنظمة طائفته، والقيام بأعمال الخير، الصيام والصلوات وبناء المعابد. غير أن الله يشدد على توبتك. فهي مطلبه الأول منك. والله يؤثر السكنى في قلب نقي متواضع، منها في كنيسة فخمة أو جامع!

 

بداية خدمة الأنبياء والرسل

 

استهل أنبياء الله رسالتهم بالتوبة. فقد كان النبي نوح كارزًا للبر، وبدا وكأن كل مسمار دقه في السفينة يقول: "توبوا يا قوم." ولم تكن حياة النبي موسى إلا سلسلة من العظات الشديدة، دعا فيها الشعب إلى التوبة والرجوع إلى الله!

كتب النبي إشعياء يقول: "ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره، وليتب إلى الرب فيرحمه والى إلهنا لأنه يكثر الغفران."

كانت رسالة النبي يوحنا المعمدان إلى جمع تهافت عليه ليعتمد منه، ما يلي: "يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟ فاصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة."

ختم الرسول بطرس عظته الأولى بعد انسكاب الروح القدس على التلاميذ، لجمع نُخسوا في قلوبهم، كما يلي: "توبوا! وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا."

وما أن دخل الرسول بولس مدينة أثينا ورأى الجموع تخر أمام "إله مجهول" وتعبده، حتى حثهم بأمر وتحذير، قائلًا لهم: "فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا، متغاضيًا عن أزمنة الجهل. لأنه أقام يومًا هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل (المسيح) قد عيّنه مقدمًا للجميع إيمانًا إذ أقامه من الأموات."

 

عما تتوب؟

 

لا شك أنك تعرف الحقيقة بأن الخطيئة هي المقصودة هنا لتوبتك عنها. فعليك أن تتوب عن البغض، والحسد، والنميمة، والشتم، والعنف، والقسم، والكبرياء، والتمرد، والكذب، والعنفوان، والشهوة، والسرقة، والقتل، والزنى، الخ.. فكل فكر أو قول أو عمل منافٍ لوصايا الله ومشين بحق الغير، هو خطيئة قبيحة يجب أن تتوب عنها!

 

معنى التوبة

 

للتوبة الحقيقية أربعة أوجه:

1- الندم الحقيقي عن الخطيئة

ندمك الناتج بنبذ خطيئتك وهجرها وعدم العودة إليها. لا كندم يهوذا مسلّم المسيح الذي هلك في النهاية. بل أن تترك خطيئتك كما فعل بطرس بعد نكران سيده.

2- الإقرار بالخطيئة والاعتراف بها إلى الله مباشرة

يقول الكتاب: "من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يُرحم." وكتب يوحنا الرسول عن الاعتراف يقول: "إن اعترفنا بخطايانا، فهو (الله) أمين وعادل حتى يغفر خطايانا ويطهرنا من كل إثم".

3- كراهية شديدة للخطية

وهذه هي حصيلة الروح القدس التي يضعها في قلبك بعد أن تتوب. فتنظر الآن إلى الخطيئة نظرة اشمئزاز واحتقار.

4- التعويض عن الماضي وتصحيح أخطائه

فتصبح مستعدًا بالتالي أن ترد المسلوب وترجع المختلَس وتعوّض عن الخسارة التي سببتها، وتصحح اعوجاج ماضيك!

 

لمن التوبة؟

 

إن التوبة هي للجميع بدون استثناء أحد! فهي للرؤساء والمرؤوسين! للرجال والنساء! للكبار والصغار! للأغنياء والفقراء! للمتعلمين والأميين! للملحدين والمتدينين! فالله يأمر بأن "...

يُقبل الجميع إلى التوبة." وهذا يشملك أنت شخصيًا.

قصد بعض الناس ذوي البر الذاتي المسيح  واستعلموا منه عن السبب الذي جعل بيلاطس الوالي يخلط دم بعض الأشخاص بذبائحهم، فأجابهم: "أتظنون أن هؤلاء الجليليين كانوا خطاة أكثر من كل الجليليين الذي كابدوا مثل هذا! كلا أقول لكم. بل إن لم تتوبوا (أنتم) فجميعكم كذلك تهلكون!" وقال المسيح أيضًا في مناسبة أخرى: "لم آتِ لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة." ويقول الكتاب المقدس: "الجميع أخطأوا." إذن، أنت بالذات ينبغي أن تتوب.

 

وقت التوبة

 

إن وقت توبتك هو الآن. فنقرأ: "هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن يوم خلاص. اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم." والتأجيل هو لص الوقت. والغد ليس لك. فجهنم مكتظة بقوم قصدوا أن يتوبوا ولكنهم فشلوا باتخاذ الخطوة الحاسمة في ذلك. فنيّتك في التوبة لا تكفي لخلاصك!

اقتران التوبة بالإيمان

 

والتوبة التي بلا إيمان مثمر ناقصة. لأن مجرد توبتك عن خطيئتك لا تكفي لخلاصك. فهي الدليل فقط على استعدادك للخلاص. ولهذا فقد قرن الرسول بولس التوبة بالإيمان، إذ نادى "بالتوبة إلى الله والإيمان بربنا يسوع المسيح." ونوعية الإيمان المقصودة هنا، هي أن تثق بموت المسيح الكفاري على الصليب الذي سفك دمائه لمغفرة خطاياك. هكذا الإيمان المدعوم بالروح القدس الذي يسكبه الله في قلبك، يغيّر حياتك تغييرًا جذريًا، فيجدد سيرها، سيرتها وسلوكها!

 

نوال الغفران والخلاص

 

وعلى أثر هاتين الخطوتين الخطيرتين فقط، أي توبتك الحقيقية عن الخطيئة وإيمانك الحي بالمسيح، يغفر لك الله خطاياك ويمنحك الخلاص والحياة الأبدية. ولن يصفح الله عنك إن لم تتب، مهما عللت نفسك بالقول: إن الله رحوم غفور! ولسوف تجد أن الروح القدس سيمنحك القوة للتغلب على التجربة والانتصار على الخطيئة!

 

ادخار غضب الله

 

فحذار أيها العزيز! ولا تستهن بغنى لطف الله وإمهاله وصبره عليك، بل اعلم "أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة."

فإما أن تتوب عن خطاياك وتؤمن بالمسيح فتحيا في النعيم، أو أن ترفض ذلك فتهلك في الجحيم! واختيارك الآن أحد الأمرين قد يبت في مصيرك الأبدي.